responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 122
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى رَغْبَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ نُفْرَتَهُمْ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّمَا صَدَّ الْمُنَافِقُونَ عَنْ حُكْمِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الرِّشَا وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمُرِّ الْحُكْمِ، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ الصَّدُّ لِعَدَاوَتِهِمْ فِي الدِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، أَيْ يُعْرِضُونَ عَنْكَ، وَذِكْرُ الْمَصْدَرِ لِلتَّأْكِيدِ والمبالغة كأنه قيل:
صدودا أي صدود.

[سورة النساء (4) : الآيات 62 الى 63]
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ فِي اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ كَلَامٌ وَقَعَ فِي الْبَيْنِ، وَمَا قَبْلُ هَذِهِ الْآيَةِ مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهَا هَكَذَا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عنك صدودا ثم جاؤك يَحْلِفُونَ باللَّه إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، يَعْنِي أَنَّهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَصُدُّونَ عَنْكَ أَشَدَّ الصُّدُودِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيئُونَكَ وَيَحْلِفُونَ باللَّه كَذِبًا عَلَى أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الصَّدِّ إِلَّا الْإِحْسَانَ وَالتَّوْفِيقَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ النَّظْمُ مُتَّصِلًا، وَتِلْكَ الْآيَةُ وَقَعَتْ فِي الْبَيْنِ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا يُسَمَّى اعْتِرَاضًا، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِنَّ الثَّمَانِينَ وَبُلِّغْتَهَا ... قَدْ أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلَى تُرْجُمَانْ
فَقَوْلُهُ: وَبُلِّغْتَهَا، كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ وَقَعَ فِي الْبَيْنِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: بُلِّغْتَهَا دُعَاءٌ لِلْمُخَاطَبِ وَتَلَطُّفٌ فِي/ الْقَوْلِ مَعَهُ، وَالْآيَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ وَآخِرَهَا فِي شَرْحِ قَبَائِحِ الْمُنَافِقِينَ وَفَضَائِحِهِمْ وَأَنْوَاعِ كَيْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، فَإِنَّ الْآيَةَ أَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ مَعَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكُفْرِ بِهِ، وَيَصُدُّونَ عَنِ الرَّسُولِ مَعَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِ، فَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْأَحْوَالِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ: فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أَيْ فَكَيْفَ حال تكل الشِّدَّةِ وَحَالُ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ، فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْوَاحِدِيِّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَيَفِرُّونَ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشَدَّ الْفِرَارِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى شِدَّةِ نُفْرَتِهِمْ مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَ الرَّسُولِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ قَالَ: فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يَعْنِي إِذَا كَانَتْ نُفْرَتُهُمْ مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَ الرَّسُولِ فِي أَوْقَاتِ السَّلَامَةِ هَكَذَا، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ فِي شِدَّةِ الْغَمِّ والحسرة إذا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 122
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست